الرجوع إلى الفائزين

المؤلِّف الشاب 2008

د. محمَّد سعدي

المغرب

عقب انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، دخل العالم حقبة تاريخية جديدة، شهدت اضطرابا كبيراً فيما يخص الحقل التنظيري للعلاقات الدولية، بفعل الإنهاك الذي اعترى الأنظمة الكبرى، والنظريات والإطارات المفهومية الشمولية، وتفتت منظوماتها الفكرية ومرجعياتها المنتجة للمعنى، مما أطاح بالعديد من الطروحات النظرية والثوابت الفكرية، التي كانت تحكم صيرورات السياسة الدولية على مختلف الأصعدة، ولم تعد "البراديغمات" أو النظريات الكلاسيكية قادرة على فهم واقع المرحلة الدولية الجديدة وتفسيرها وتأطيرها، فظهرت مجموعة من الطروحات تحاول تفسير الأوضاع والعلاقات الدولية الجديدة، بغية فهمها ومنحها معنى جديداً، كأطروحة "نهاية التاريخ" لفوكوياما، التي ظهرت عام 1989 في شكل مقالة، وأطروحة "الفوضى"، التي تنبأ المنظرون عبرها بأن العالم مقبل على انهيار تام للسلطة السياسية، وأطروحة "صدام الحضارات" عام 1993، التي ظهرت في فترة انتقالية جذرية، عصفت بالكثير من الثوابت والتفاعلات الثقافية والسياسية والاجتماعية بعد انتهاء الحرب الباردة، والفكرة الأساسية التي ينطلق منها صاحب هذه النظرية؛ صاموئيل هنتجتون، هي أن الحضارة تمثل العامل الجديد الذي سيتحكم في صيرورة العلاقات الدولية، وهكذا فإن الانقسامات الكبرى في العالم ستكون انقسامات ثقافية، تتصادم في إطارها مجموعة من الكتل الحضارية المتنافسة. وقد لاقت أطروحة "صدام الحضارات" في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر رواجاً هائلاً في الإعلام الغربي، وأصبح خطابها حاضراً بقوة على مختلف المستويات، رغم محاولة العديد من المفكرين والمحللين السياسيين تفنيد هذه الأطروحة.

ويحاول محمد سعدي عبر كتابه "مستقبل العلاقات الدولية: من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة وثقافة السلام" استشراف مستقبل العلاقات الدولية في ظل نظرية "صدام الحضارات" باعتبارها إحدى النظريات التي حاولت وضع أسس جديدة لفهم التطورات الرئيسة في السياسات العالمية، وبناء رؤية مستقبلية جديدة للعلاقات الدولية بعد الحرب الباردة، ويرى الباحث أن هذه الأطروحة تعكس بوضوح بعض الاتجاهات السائدة داخل دوائر التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة، التي نظرت إلى الأطروحة بوصفها أول محاولة تهدف إلى ملء الفراغ النظري، وتفلسف سياسة ما بعد الحرب البادرة، وتقدم إطاراً عقائدياً لها، مما جعلها محوراً استكشافياً جذب الكثير من المفكرين والمخططين الاستراتيجيين، لتفسير الوضع الدولي الجديد، والبحث عن معايير جديدة لتحديد الرؤية المستقبلية لما هو قادم.

نبذة عن الكتاب

وفي هذا الإطار ينبري محمد سعدي في تقديم مقاربة نقدية لهذه النظرية أو "البراديغم" للوقوف على الظروف التاريخية والسياسية التي انبثقت في ظلها، وكشف المنطق الموجه لطروحاتها وأسسها النظرية، وفضح مضمراتها ومتناقضاتها ومحدوديتها وتهافتها على المستوى المفهومي والواقعي من خلال ثلاثة أبعاد: البعد التحليلي؛ أي تحليل مرتكزات الأطروحة، والبعد التأويلي لخطاب هنتحتون، وتفاعله مع المتغيرات التنظيرية للعلاقات الدولية، والبعد الواقعي؛ أي مدى مطابقتها للواقع الدولي، واحتوائها للمتغيرات الدولية.

ولعل الباعث الحقيقي الذي حمل الدكتور سعدي على تقديم قراءة عميقة لهذه النظرية، هو أنها تهتم بشكل محوري بالعالم الإسلامي، كمجال حضاري استراتيجي له موقع في العلاقات الدولية المستقبلية، لذا فقد رأى أن من الضروري التصدي النقدي لها، وتعميم الوعي بمضمونها وأهدافها، ولاسيما أنها حاولت تسويق صورة سلبية عن الإسلام، تساير تلك الموجة الفكرية، التي سعت جاهدة إلى المماهاة بين الإسلام من جهة، والعنف والإرهاب من جهة أخرى.

ويذهب الكاتب إلى أن مفهوم الحضارة الذي يروج له هنتجتون في أطروحته لهو مفهوم اختزالي، تم توظيفه على نحوٍ تعسفي وتعميمي، ليصبح بمثابة المحرك الوحيد للتاريخ، وهذا – بحسب الكاتب- هو ما يجعله غير قادر على التعبير عن الواقع المعقد للخريطة العالمية، ذلك أن خطاب نظرية "صدام الحضارات" كما صاغه هنتجتون ينطلق من مفهوم جوهري للهوية الثقافية والحضارية، يتسم بالضيق والانغلاق والمثالية، إذ يؤمن بصفاء الثقافات وعزلتها واكتفائها الذاتي، على اعتبار أن لها ماهية خالصة ثابتة، مغفلاً أن الهوية الثقافية هي حصيلة تاريخ مستمر من التفاعل والتداخل مع الثقافات الأخرى، ومكرساً النظرة الماهوية للأمم والقوميات، التي تصور العالم وكأنه مشكل من مجموعات ثقافية ذات أصول ثقافية جامدة مستعدة للتصادم فيما بينها، وتنظر إلى الحضارات بوصفها كائنات خالدة لاتاريخية متعالية، لا تخضع لمنطق التفاعل والتحول.

وبفعل طابع هذه الأطروحة الأصولي، فقد وجد العديد من الأصوليين ضالتهم فيها بغية تكريس مبادئهم، لذلك تم الترويج لها إلى أبعد مدى من قبل تيارات اليمين المتطرف، والحركات العنصرية والأصولية في كل الديانات والثقافات.

سنة النشر: 2007